قبس من نور ومع ذو القرنين ( الجزء السابع )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع ذى القرنين وقد تحدثنا عن الطائر الذى قابله ذى القرنين وتحدث معه وكان قد سأل زى القرنين، قال هل ترك الناس الصلاة المكتوبة بعد؟ قال لا، فانتفض ثلاثا ثم قال، حدثني يا ذا القرنين، قال سل، قال هل ترك الناس الغسل من الجنابة بعد؟ قال لا، فعاد الطائر كما كان، ثم قال يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة التي في أعلى القصر؟ قال، فسلكها ذو القرنين وهو خائف حتى إذا استوى على صدر الدرجة إذا سطح ممدود في واد عليه رجل قائم أو متشبه بالرجل شاب عليه ثياب بيض رافع وجهه إلى السماء واضع يده على فيه فلما سمع حس ذي القرنين قال، من هذا؟ قال أنا ذو القرنين فمن أنت؟ قال أنا صاحب الصور، قال فما بالي أراك واضع يدك على فيك رافع وجهك إلى السماء؟ قال، إن الساعة قد اقتربت فأنا انتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ.
ثم أخذ صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال خذ هذا يا ذا القرنين فإن شبع هذا الحجر شبعت وإن جاع جعت فأخذ ذو القرنين الحجر ثم رجع إلى أصحابه فحدثهم بالطير وما قال له، وما رد عليه، فجمع ذو القرنين أهل عسكره فقال أخبروني عن هذا الحجر ما أمره فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين ثم أخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الأخرى فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين مثل جميع ما وضع معه حتى وضعوا معه ألف حجر، قال العلماء أيها الملك انقطع علمنا دون ذلك أسحر هذا أم علم ما ندري هذا؟ قال، والخضر ينظر ما يصنعون وهو ساكت فقال ذو القرنين للخضر هل عندك من هذا علم؟ قال نعم، فأخذ الميزان بيده ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين ثم أخذ حجرا من تلك الأحجار مثله.
فوضعه في الكفة الأخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه مع الحجر الذي جاء به ذو القرنين ثم رفع الميزان فاستوى قال، فخر العلماء سجدا وقالوا سبحان الله إن هذا العلم ما نبلغه، فقال ذو القرنين للخضر فأخبرني ما هذا؟ قال الخضر أيها الملك إن سلطان الله قاهر لخلقه وأمره نافذ فيهم وإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض فابتلى العالم بالعالم وابتلى الجاهل بالجاهل وابتلى الجاهل بالعالم وابتلى العالم بالجاهل، وأنه ابتلاني بك وابتلاك بي قال ذو القرنين حسبك قد قلت فأخبرني، قال أيها الملك هذا مثل ضربه لك صاحب الصور أن الله عز وجل، سبب لك البلاد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا منها فلم تشبع فأبت نفسك إلا شرها حتى بلغت من سلطان الله عز وجل، ما لم يبلغه أحد وما لم يطلبه إنس ولا جان، فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور.
فإن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب، قال، فهنا يا ذا القرنين ثم قال، صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد وبعد مسيري هذا حتى أموت ثم ارتحل ذو القرنين راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمات وطئ الوادي الذي كان فيه زبرجد فقال الذين معه، أيها الملك ما هذا الذي تحتك وسمعوا خشخشة تحتهم، قال ذو القرنين خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم فأخذ منه الرجل الشيء بعد الشيء وترك عامتهم لم يأخذوا منه لم يأخذوا شيئا فلما خرجوا فإذا هو زبرجد فندم الآخذ والتارك ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل وكان بمنزله بها فأقام بها حتى مات، وقال أبو جعفر إن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قال ” رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئا حتى يخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا في الدنيا.
ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيه، وعن سعد بن مسعود عن شيخين من شيوخ تجيب قالا، كنا بالإسكندرية فقلنا لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر فتحدثنا عنده فانطلقنا فوجدناه جالسا في ظل داره فأخبرنا الخبر فقال، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ” أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال، اذهب فمن وجدت بالباب من أصحابي فأدخلهم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم إن شئتم لأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قبل أن تكلموني وإن شئتم تكلمتم فأخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه قالوا، بل أخبرنا، قال صلى الله عليه وسلم، جئتم تسألوني عن ذي القرنين، فسوف أخبركم كما تجدونه مكتوبا في كتبكم إن أول أمره كان غلاما من الروم أعطي ملكا فسار حتى أتى أرض مصر فابتنى عندها مدينة يقال لها الإسكندرية فلما فرغ من بنائها أتاه ملك فعرج به.
فقال، انظر ما تحتك فقال، أرى مدينتي وأرى معهما مدائن ثم عرج به فقال، انظر ما ترى فقال، أرى مدينتي قد اختلطت بالمدائن ثم زاد فقال، انظر ما ترى قال، لا أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها، فقال له الملك، لك تلك الأرض كلها وهذا السواد الذي ترى محيطا بنا البحر وإنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها فسر في الأرض فعلم الجاهل وثبت العالم، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عليهما كل شيء فبنى السد ثم سار فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قوما وجوههم كوجوه الكلاب ثم قطعهم فوجد أمة من الفراش يقاتلون القوم القصار، ثم قطعها فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض فقالوا، إنا نشهد أن أمره كان هكذا.
وإن الثابت من قصة ذي القرنين، هو ما قصه الله تعالى مجملا في سورة الكهف وأما قصة دخوله في تلك الظلمة وشربه من ماء الحياة، فنقول إن هذا لم يثبت ولم يكن عليه دليل واضح فلأجل ذلك نتوقف فيه ونقول الله أعلم بحقيقة الحال، وقد عرف بأن الحياة الدنيا ليست بدار قرار وأنه ليس أحد يبقى فيها ولا يأتي عليه الموت، والحكايات التي يذكرونها أنها أن هناك من هو حي كالخضر وإلياس وذو القرنين وأنهم باقون لا يموتون كل هذه حكايات لا أصل لها بل الواقع يكذبها، فمن ادعى أن هناك نهر يسمى نهر الحياة وأن من شرب منه فإنه يحيا ولا يموت فإن هذا غير صحيح فهذه القصة التي فيها أنها ذا القرنين سأل هؤلاء الملائكة وأخبروه بهذه العين وأخبروه بهذه الظلمة، وأنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى هذه الظلمة التي لا يدخلها أحد وأنه عزم على دخولها.
إلى آخر ما ذكر في هذه القصة نرى أنها إسرائيليات لا تصدق ولا تكذب، ولكن الدلائل على أنها غير صحيحة ظاهرة لمن تأملها والقصص التي يذكرونها أن إلياس حي وأنه اتصل به فلان ورآه فلان هذه أيضا ليست صحيحة، والقصص التي يذكرون فيها حياة الخضر وأنه نبي وأنه حي ما مات وأنه باق وأنه لقيه فلان ولقيه فلان وكلمه وقال: أنت الخضر هذه أيضا لا حقيقة لها، قد أثبت العلماء أنه لا يبقى أحد معمر بل الله تعالى هو الحي الذي لا يموت قال الله تعالى فى كتابه الكريم ( كل نفس ذائقة الموت ) وقال تعالى ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) وقد استدل البخاري رحمه الله، على موت الخضر وغيره بالحديث الذي في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم، قال في آخر حياته ” أرأيتم مائة سنة بعد هذا فإنه لا يبقى على وجه الأرض نفس منفوسة إلا ماتت ”
وهو صلى الله عليه وسلم يريد بذلك انقضاء قرنه، يعني أنه في ذلك القرن يموت من كان على وجه الأرض الآن وليس المراد موت الخلق كلهم يريد أن الموجودين على وجه الأرض في تلك الساعة لا يأتي عليهم مائة سنة إلا وقد انقضوا وولد غيرهم وعاش من بعدهم، هكذا جاء هذا الحديث مفيدا أنه لم يكن أحد باقي إلا الله تعالى، وقد قال الله تعالى ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وقد حدد الله تعالى الآجال العادة والمتبع أنه يقل أن يتجاوز الإنسان التسعين من السنين ومن جاوز التسعين أو جاوز المائة فإنه نادر والأغلب موتهم في السن المبكرة ويقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك ” ولكن قد يكون في الأمم السابقة من يمد في عمره كما حكى الله تعالى عن نبى الله نوح عليه السلام.