عريس وعروسة وصينية . قصة قصيرة
أسماء خليل..
قد أعياها ذلك المشهد من كثرة تكراره.. مشهدٌ وكأن مخرجه يقول كلاكيت عاشر أو عشرين مرة.. عروس يافعة مفعمة بالذوق والرقة، لها طلَّة مبهجة، تمسك بصينية بها ما يشبه مشروب الشربات رمزًا للعُرس المنتظر،،
كانت في البداية.. يمثل ذلك المشهد لها شيء؛ ولكن الآن لا يمثل تكراره أي شيء.. ربما هي تُخفي في نفسها مالا يعلمه غيرها!!
كانت هيئته هيئة ابن العشرين، ولكن مابرح أن أتم عقده الخمسين من سني عمره ولديه خمسة أبناء، وهي قد أتمَّت العقد الرابع من عمرها وبدأت تتحسس رأسها وقد لمعت به بعض الشعرات البيضاء؛ رغم أن لها بعض الصديقات لم يدب بشعرهن أيٌّة ألوان.. عليها الآن أن تستقبله دون أن تنبس بكلمة واحدة .. تلونت بألوانٍ من التَّزيُّن والابتسام المصطنع والإنوثة التي تعلم أنها داخلها ولا يراها أحد..ثم بدت كالمعتاد عروس وبيدها صينية.. كانت ثائرة المشاعر ولكن حينما نظرت إليه هدأت كل أصوات فكرها.. إن هيئته هيئة شاب صغير.. ابتسم ومابرح قائلًا مُزحة فانسكب الفرح في قلبها..
نَسيت في لحظةٍ من الزمان كل شيء عن خلفيات حياته، وكأنه حقًّا ذلك العريس ابن العشرين.. ما لبثت تنهال علىه بأسألة مُتلاحقة، وهي مُصوبة نظرها إليه.. هل بحق لديك خمسة أبناء؟ هل بحق أنا سأعيش بشقة منفصلة عنهم؟ هل بحق لديك سيارة فخمة وسوف تقوم بالتنزه معي كل حين؟….. إلخ
فتلبَّثت روحه ابتهاجات بدت في صورة قهقهات متتالية بها شئ من لين المشاعر.. ولكنه استند على حلاوة روحها؛ ليقول كل شيءٍ بصراحة، ثم قال : لا أخفيكِ سرًّا إن أولادي جميعهم متزوجون في منزلي في الأدوار العلوية فأنا تزوجت وأنا في ريعان الشباب ؛ وكانت أمهم تفتح البيت منذ بزوغ الفجر فينزل كل الأطفال الصغار أحفادي فهم كُثر، وتبدأ في طهو كل أنواع الأطعمة وهم يلتفتون حولها وتنزل بناتي واحدة تلو الأخرى ويقضون اليوم إلى أن آتي من العمل أنا وباقي أبنائي الذكور ونحيا سويًّا في سعادة..
يئست ولكنها غلبت جزعها قائلةً : وما دوري أنا في حياة تلك الأسرة ؟!..
لم يخجل وهو يقول لها : أريدكِ أمَّا لهم.. افتحي الدار من الصباح وهم يأتون يملأون عليكي البيت.. قالت له ولكني مازلتُ في سن الأربعين كيف أصبح جدة ولم أكن أمًّا.. فامتعض ولويّ شفتيه… ففهمت مكنونات نفسه من كونه يتهكم أنها تحاول الاعتراض وهي مازالت لم تتزوج حتى الآن..
اعتزلت العالم لمدة أيام قُبيل الفرح، دوَّت زغاريدًا رنّانة في كل المنزل من حولها..والجميع يقول في نفسه : أخيرًا ستتزوج!! .. الجميع يُعد للفرح السعيد.
ويوم الزفاف قاموا بتزيينها وأعطوها فستان الفرح وهي لا تنبس بكلمة واحدة كأن شيئًا سكن روحها فأصمها.. كانت أختها تحاول مساعدتها في تجهيز نفسها، وهي كأنما عميت وصُمت،،
دوَّت الطبول.. استفاقت قليلًا.. أخذوها من يدها للمأذون وبحضورٍ من الجميع.. وجدت الرجل ومن خلفه أسرة كبيرة جدًّا..نظرت إلى أبيها سعيدًا بزواجها، وأمها تبكي وتخيلت ما سيحدث إذا لم تتزوج من تعنُّت أبيها وعصبيته والمزلَّة التي ستعيش بها؛ فهو رجل حاد الطباع،،
وقفت في ذلك المشهد البهيج أمام المأذون وفي حضور من الجميع، ثم نظرت إلى أسرة الرجل نظرات تُنبيء عن الكثير، ثم نظرت لأبيها، ثم عاودت النظرات على أسرة الرجل ثم أبيها.. فسرعان ما خلعت عنها حذائها وهربت مسرعة وخلفها مأذوننٌ يسألها : هل أنتِ العروس؟! قالت بأنفاسٍ مُختنقة : لا لستُ أنا العروس.. لا لستُ أنا العروس.
اترك تعليقك