موقع نبض العرب
جريدة و موقع إخبارى سياسى - اقتصادى - اجتماعى - فنى - رياضى - متنوع

ضوء الهاتف

بقلم حسام جمال الدين

ضوء الهاتف

مستلقيا على ذلك السرير العتيق ، يحاول الاسترخاء ، الحجرة مظلمة تماما إلا من ضوء الهاتف الذى يعبث به ويتصفح وسائل التواصل ، فى محاولة لقتل الوقت الذى لا يريد أن يمر ، وفى محاولة لإبعاد السأم الذى يعتريه من وقت لآخر دون سبب يعلمه ، فى أوقات كهذه تنقطع رغبته فعليا فى أى شيء ، يفضل العزلة بعيدا عن كل المحيطين به ، ويقضى معظم الوقت بعد العودة من عمله فى تلك الغرفة مع الهاتف ووسائل التواصل ، عالم مواز ممتلئ بكل ما يمكنك أن تتخيله من عمق الحقيقة إلى أقصى الزيف ، من إغراق فى الواقع يقبضك وإغراق فى الخيال يجعلك تسخر من نفسك ومن خيالك ، من قصص تأخذك إلى عوالم خارج الكوكب بل خارج المجرة ، إلى قصص تأخذك إلى عمق قلب كاتبها ، إلى قصة تأخذك إلى مشاهد من الواقع قد لا تكون عاينتها ولكنك تراها فى تلك القصص ، عالم متناقض جدا ولكنه ممتع جدا ، على الأقل أمتع قليلا من الحياة التى تحياها فى واقعك اليومى

يرن هاتفه فجأة ، آخر أحد كان يتوقع اتصاله وأول من تمنى اتصاله ، هى التى كانت تتصل ، أول مرة تبادر بالاتصال ، تعودا معا أن يكون هو دوما المتصل ، فى هذه المرة تبادر هى بالاتصال ، يرد عليها ، هى دون كلام مسبق تسأل : أين أنت ؟ أما زلت غارقا فى سرير السأم غارقا فى ظلمتك ؟ لا يرد لتواصل هى ، لم لا تتغير ؟ ، بنبرة الملول ، ولماذا أتغير ؟ وكيف أتغير ؟ العالم كله يتغير من حولك وأنت مازلت غارقا فى خيالك عالقا فى المنتصف كما أخبرتنى من قبل ؟ يزداد ارتباكه ، تتصلين فقط من أجل ذلك ؟ لا بل أتصل لأطمئن على حالك ولأرى هل تستسلم للغرق أم تبحث عن طوق نجاة ؟ اوه عدنا للسخرية مرة أخرى ، لا أسخر ، متى كانت آخر مرة خرجت من قوقعتك التى صنعتها لنفسك ؟ خرجت كثيرا لكنى لا اجد جديدا فأعود ، وإلا فقولى كيف التقينا ؟ ألم تكن مرة من تلك المرات ؟ ولكنك يا عزيزى لا تبقى طويلا فى الخارج ، لا أستطيع فكل شيء هناك ملوث الهواء يخنقنى ثقيلا والقبح هناك يؤلم عينى وأحاديث الناس عبث ولاجديد فيها ، اخبرينى فيم يتحدث الرفاق إن جلسوا معا ؟ أليست هى هى تلك الكلمات المنمقة ؟ أليست هى الموضوعات نفسها ؟ يتحدثون عن الكرة ، وهم لا يمارسونها ، يعشقون لاعبى كرة القدم واشربوا فى قلوبهم العشق حتى صار لاعبو الكرة كعجل أبيس تعلق صورهم فى كل مكان ويستقبلون استقبال الفاتحين ؟ وإن توقفوا عن حديث الكرة ففيم يتحدثون ؟ عن الجنس بعضهم يتحدث بكلمات فيها شيء من التلميح والمعظم يتحدثون ذلك الحديث الفج عن الليالى الحمراء والمغامرات ، يشعرون بنشوة مقبضة عند حديثهم ذلك الشعور الحيوانى يظهر فى اهتياجهم عند التحدث ، فإن انفضوا من الحديث عن الجنس فلا مانع من أن يلوكوا بألسنتهم فى الآخرين فلان راح فلان جه ، فلان طلق فلان على علاقة بفلانة ، فإن لم يجدوا غرضهم فى ذلك فلا مانع من تناول بعض تصرفات أحد الأشخاص أو كلمات قالها يملأون جلستهم بتفسيرها والتبارى فى تقديم التحليلات ، إن لم يكن هذا ما يحدث فأخبرينى !!!!

متشائم أنت دوما ترهق نفسك بذلك يا عزيزى دع مال قيصر ومال الله لله ، يرد متعجبا : اممم صارت الواقعية تشاؤما أنا متشائم ، أخبرينى أين اجد التفاؤل وكيف اكون متفائلا يا حبيبتى ؟ قد تكونين أنت نقظة الضوء فى ذلك الطريق المظلم ولكن عليك فقط ألا تحاولى كسر القوقعة ، لو تعلمين أنه لولا القوقعة كان يمكن ألا نلتقى ، ألم نلتق عبر تلك القوقعة ؟ ألم تتعدد لقاءاتنا فى ذلك الحوار الذى لا يشبه تلك الحوارات الجوفاء المملة ، ألا تحبين الكتب مثلى ؟ اخبرتنى بذلك غير مرة ، لا أريدك أن تخرج من القوقعة ولكن اريدك أن تنظر من خلالها ، ليس العالم بهذا السوء !!!!

دعك من كل هذا ، اخبرينى عن آخر كتاب قرأته ؟ عن آخر أمسية شعرية حضرتها ؟ أوه يا عزيزى لقد توقفت منذ زمن وأنت تعلم ، لماذا توقفت ؟ هل يمكن أن تخبرينى ؟ أصرت متشائمة مثلى ؟ أها إنك تحاول أن تقلب دفة الحوار ناحيتى ، لقد تأخر الوقت على النوم عزيزى هلا أكملنا فى اتصال آخر ، سأنتظر اتصالك مع السلامة ، مستسلما يرد : مع السلامة سأحاول الاتصال فى أقرب وقت

السادسة صباحا ، يستيقظ على صوت منبه الهاتف ، أين ذهبت ؟ متى اتصلت ؟ متى تحدثا ؟ ينهض متثاقلا ، واضعا يده فوق جبهته يفركها ليتأكد أنه استيقظ أخيرا

العودة مرة أخرى لذلك الحلم تزعجه وتخيفه

اترك تعليقك