إستراحة – ٢
إستراحة ( ٢ )
د. محمد عطية
لما ماتت امرأةُ أبي ربيعة الفقيهِ دفَنها، ونفض يديه، ثمَّ رجع إلى داره فحَوقَل واسترجَع، وبكت عيناه، ثمَّ قال يخاطبُ نفسه:
الآن ماتت الدار أيضًا يا أبا خالد.
قالها وقلبه متصدِّعٌ، ينزف وجعًا، وتهاوت روحُه إلى ما يرهقها، وظلَّ وحيدًا بها يكابِد من الغربة والوحشة والفقدِ.
ما أقضَّ مضجعَه، وأوهن عيشه؛ لأنَّه عليمٌ بأنَّ
سعادة البيوت وجمالها وطيبَ عيشها لا يكون بجدرانها، ولا فاخر أثاثها، وعلوِّ طباقها؛
إنَّما يكون بتلك الروح التي تسكن أنت بها؛ ألم ترَ سبحانه يقول:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾.
لا تخبروا الناس كذبًا
عن سُهولة التَخليِ …
و أن في البعدِ راحةٌ
و في التخلِي سعادةٌ …
قولوا لهم قولًا حقًا :
و أخبروهم أن يتجاوزوا
و أن يتمسكوا ببعضهم
قدر ما يستطيعونَ
.. فبعضُ الفراق لا يُحتمل
و إن الأرواح بعد الفراق … تَشيخ
وورد ذكراك كربيع أزهر في لحظة
وورق خريفك كحزن أمطر في لحظة
وبرد شتاء فراقك كقلب بكى في لحظة
إن عناقُكِ .. أشبهُ بأمتلاكِ الدُنيا في لحظةِ
والشوق الصيفي لعينيك
كنار ألهبت عمق المشاعر في لحظة
ڪأنكَ خلقتَ ليغــرمَ بكَ قلبيّ
في لحظة شوق يقف الزمن
شاهداً على لهفة عناق
يسرقه عاشقان
إعتنقا الحب الأبدي…
لعَمري كــم صبَرنــا واحتمَلْنــا
شتـاءَ العُمــرِ ننـتظـرُ الربيعـــا
فلا بردُ الـشتاءِ مضى سـريعـاً
ولا وردُ الـــربيــعِ أتى مُطيعـا
فصِرنا كــالطيورِ نطيرُ خوفـاً
ونلتحِفُ الفضا نخشى الوقوعا
وبِتْنا نكـتمُ الأوجـــــــاع فينــا
ونحبسُ في مــآقينـا الـدموعـا
وليسَ لنـــا سوى صبـرٍ جــميلٍ
يداوي الروحَ والنبضَ الوجيعـا
إذا ما الحبُّ في الأعماقِ عانى
مِن الإهمــالِ أوشكَ أن يضيعا
فإن ضِعنــا وضـــاعَ الحبّ منّا
فلن نرضى مردًّا أو رجـوعـا ..
د. محمد عطية