بقلم د. أمل درويش
وما زلتُ أقف عند قول الشاعر العظيم حافظ إبراهيم:
الأُم مـــدرســـةٌ إذا أعــددتــهــا ..
أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق
الأمُ روضٌ إن تــعـهـد الـحـيـا بــالــري..
أورق أيــمــاً إيـــراق
الأُم أســتــاذ الأســاتـذة الأُلـــى..
شـغـلت مـآثـرهم مــدى الآفـاق.
وأتخيل أجيالاً قادمةً أمهاتهن الآن ما زلن في طور الطفولة والشباب، وأقف متأملةً ما يفعلن في خضم هذا الطوفان من العولمة والتيه، بين عاداتٍ غريبةٍ دخيلة على مجتمعاتنا وبين تقليدٍ أعمى لكل ما هو غريب.
ولكن عذرهن أنهن ما زلن صغيرات، لم يخضن معارك أكبر من اختيار لون ثوب وما يناسبه من طلاء أظافر، وربما كانت أعتى مغامراتهن هي الخروج من دون مساحيق لوثت معالم البراءة فيهن وانتزعت رداء الحياء.
ففي الشوارع تجد شباباً لا تعرف لهم هويةً، رؤوسهم موشّاة بطلاسم وأجسادهم موشومة برسوماتٍ أغرب، ملابس ممزقة، وعيون زائغة لا تعرف لها هدفاً.
وإذا ما ألقينا بنظرةٍ خاطفة خلف الأبواب المشرعة لوجدنا أسراً مفككة، لا يجد فيها الآباء والأمهات أوقاتاً لمتابعة الأبناء، فالأب إما غارقٌ في الديون أو منكفيء على الهموم، وقد ينحرف مساره عن رسالته فيغرق في ملذاته متخلياً عن كل مسؤولياته.
وأما الأم فهي عامود البيت ودعامته، تتحمل كل انكساراته وانهزاماته في معاركه مع الحياة، وقد حمّلها المجتمع هذا العبء الثقيل أجيالاً بعد أجيال؛ فإذا فشل أحد الأبناء فتكون الأم هي السبب وإذا غاب الزوج فلن تهرب من تحمل الذنب.
نعم هناك أمهاتٌ تركن أدوراهن وتخلين عنها، ولكن الكثيرات تفانين في أداء رسالاتهن حتى الرمق الأخير.
فمن إذن المسؤول عن هذا التردي؟
البيت هو اللبنة الأولى، نعم الأب والأم يحملان قدراً كبيراً من المسؤولية، فلماذا لا نبدأ من الآن؟
نعيد التوازن لحياتنا، تعود تجمعات الأسرة واجتماعاتها حول موائد الطعام وفي المساء نتبادل أطراف الحديث مع الأبناء، نذكرهم بسيرة الرسل والأنبياء وصفات الصحابة والتابعين.
نقصّ عليهم تاريخ الأجداد ونعيد قراءة تاريخنا المهجور، نعيد حلقات قراءة القرآن في البيوت لعل نورها يرشدنا للطريق القويم.
ويتسلم الراية المعلم في مدرسته، نعيد مدارسنا التي هُجرت وتركت خاويةً على عروشها نعيدها منارةً للعلم والخلق الرشيد.
تتبعها وسائل الإعلام والتركيز على برامج التوعية وإلقاء الضوء على النماذج الجيدة وتقديم أعمال درامية هادفة تدعو للفضيلة وتنبذ ما يقدم من إسفاف.
السجون التي يجتمع تحت سقفها أعتى المجرمين بجانب المذنبين بجرائم بسيطة فيغرقوا أكثر في عالم الفساد..
نعم؛ تحتاج السجون لعمل برامج تأهيلية ودورات لإعادة هؤلاء المذنبون إلى الطريق الصحيح.
نحتاج لنهضة شاملة، سلسلة متكاملة الحلقات لنعيد ما فقدناه في سنوات الغفلة والنوم يشترك فيها كل علماء النفس والسلوك، بالإضافة للعلماء في شتى المجالات لننهض بأبناء مجتمعنا ويصلوا للمرتبة التي تليق بأخلاق المؤمن.
اترك تعليقك