” أنا وفاطمة ومارك” للكاتب السيد حافظ
كتبت- د. أمل درويش
هذا الكاتب العبقري الذي تتسلل كلماته بهدوء لتنثر في أركان عقلك المظلمة مئات الأفكار ولا تبرحها إلا وقد علّقت فيها الألوف من علامات الاستفهام التي تثير حراكها وتبعث الروح من جديد في ذراتها الراكدة.
لا شيء يأتي عنده بالمصادفة، ولا تخرج الكلمات عن قضبان السطور، لكنها تفتح في الخيال ستارًا كبيرًا من خلفه يولد مسرح عظيم يضج بالأحداث والتفاصيل، التي تتجاوز حدود الزمان والمكان..
وتنشد الجوقة على خشبة المسرح بصوت واحد:
أهلًا بكَ في عالم السيد حافظ “الحَصريّ”..
وفي رواية “أنا وفاطمة ومارك” سوف تجد العديد من المفاجآت، وعليك قبل أن تدخل أن تتخلص من كل تجاربك السابقة في سبر أغوار عالم الرواية؛ فالتجربة اليوم مثيرة وتستحق العناء، والبكاء والهناء!!
فمنذ اللحظة الأولى تتسارع الأحداث وتخطف أنفاسك..
كل التفاصيل مدهشة، مذهلة كأننا نتحرك مع الأبطال، نعيش بينهم..
القطار حكاية كبيرة ومغامرة تسارعت خلالها دقات القلب والقلق على مصير فاطمة بطلتنا حتى الآن..
كل التفاصيل الصغيرة بداية من وصف حبل الغسيل على سطوح بيت الحاج حامد وحتى شارب كمال روستي!!
مشهد القهوة بكل تفاصيل الطاولات والأركان وبيشة القهوة..
اللفتات الخاصة.. “السطور المعلقة في صدر الصفحات”.. اللمحات التاريخية.. الكاثوليك والأرثوذوكس، وغيرها من الهمسات والتنهيدات التي اعتاد دسها في أعناق الصفحات كلمسة وفاء أو عتاب..
قلبي مخطوف منذ بداية القراءة يتنقل مع السطور بشغف.
وتنتقل إلى المحطة التالية “يوميات الكاتب مع مارك” فتجد فيها: المذكرات، الشجون، الإبداعات..
ليس بغريب أن تقفز في منتصف اليوميات قصة قصيرة.. تلخص هموم ومواجع الشرفاء..
“وطن يُداس فيه الشرفاء، ويُطلق فيه العنان للبلهاء والنصابين..”
“الحب أحيانًا نبيّ وأحيانًا غبيّ
لكِ النيل والبحر والهرم يا أميرتي..”
نهر من الإبداع أقف أمامه، بينما تطل عليّ مقتطفات من رواياته السابقة..
نسكافيه، كابتشينو، وشاي أخضر..
قصة قصيرة أم رواية أم ذكريات ومواجع أم سلسلة صراعات تحارب طواحين الهواء التي تحتل تجاويف عقولهم الخاوية!!
ثم محطة تالية أو عدة وقفات مع آراء بعض النقاد والمبدعين في بعض أعمال كاتبنا العظيم السيد حافظ، وربما توسّع بعضهم فغاص في عمق محيط إبداعه في محاولة للإحاطة بكل جوانبه..
واخترت لكم “حكاية الفلاح عبدالمطيع”
تلك المسرحية التي يتضح من عنوانها اسم البطل وصفاته.. هذا الفلاح المطيع البسيط المقهور..
وما أكثرهم في زماننا، وعلى مر العصور
متى يفيق هؤلاء البشر؟!
متى يرفعوا رؤوسهم وينسوا عيشة العبيد؟
لطالما كان الفرعون من صنيعة أيديهم، وكلما مات فرعون صنعوا غيره..
عالم فريد، خرج عن النمط التقليدي والمدارس المعروفة، محاولًا حفر طريق منفرد..
ولكن من يفهم ومن يُقدّر؟
حتى دُعاة الثقافة والفكر الراقي حاربوك!! لأنك مختلف، ولست مثلهم..
اعتنقوا الخنوع والكسل، ويضايقهم من خرج عن صفوفهم..
قلتها لك قبل أن أقرأها هنا..
شهادة الوجع..
هذا الوجع الذي يؤلمني ويطرق على أضلعي، التجاهل.. غياب الوعي.. الإصرار على الجهل..
وغيرها الكثير من علامات التخلف التي تترك آثارها على قلوب الصامدين في وجه هذا الدمار..
أنهيت شهر فبراير..
بكل دفء المشاعر وسخونة الأحداث الدامية بدءًا من حادثة ملعب بورسعيد وحتى حريق شقة الدكتور إبراهيم الفقي مرورًا بالكثير من الأحداث المؤلمة وتلك الفترة التي اختطف فيها المتأسلمون مصر..
كنت على يقين منذ اللحظة الأولى أن حريق شقة الدكتور الفقي ليس قضاءً وقدر..
هذه الصحوة التي أرادها لشعب نائم لم تكن تروق للغالبية العظمى..
“مشروع رد الاعتبار”
حلم جميل في خيال كل مبدع، وكابوس خطير لكل الخونة وقتلة الإبداع..
“نحن كمنجات بلا وتر، ونحن قمر بلا ضوء نضر..”
كيف استطعت أن تعشق هذا الوطن برغم الخذلان الذي طعنك بخنجره كل مرة؟
مصر الأنثى أم المذكر؟
المعشوقة “لمى” من رواية نسكافيه التي تضحي بكل أبنائها من أجل متعة زائلة؟
أم فرعون موسى وقسوته، أم الحاكم بأمر الله وشدته؟
من هو الوطن؟
وكيف أحببته أو أحببتها كل هذا الحب برغم أنانيته؟
“الموهبة جريمة في بلاد تكره العلماء والنابغين والشرفاء، وتكره تحرير الميادين..”
ضمير المثقف دائمًا يؤلمه، فهو مصدر شقائه وعذاباته حين يعيش بين الجهلاء ومدعي الثقافة..
ومن اليوميات قفزة أخرى للنقد، ورؤية لمسرحية “إشاعة”..
سيناريو وحوار رائع
كنت أسمع أصوات الممثلين في آذاني
وأتخيلهم أمامي..
أنت مصباح زماننا فلا تستسلم..
يا إلهي! هذه ليست رواية هذه أسطورة!!
“سيدتي لا تنسي أن تخلعي نعليكِ وأنتِ تدخلين صفحتي”
الأحرى أن تقول أيها القارئ انزع كل أفكارك القديمة قبل دخول عالمي..
فاطمة..
آه على الوجع الذي يصيب كل امرأة حملت على رأسها هزائم الوطن، وإخفاقاته، وحمّلها الجميع لواء الشرف بينما داسوا على الفضيلة في كل خطواتهم..
فاطمة ليست سوى أوجاع أمة ظُلمت، قُهرت، حوصرت، سُجنت في قفص الشرف ونالوا منها فأصابوها بالغثيان والقرف..
بدأت أشك في نفسي..
لم أكن أقرأ بهذا العمق، وكثيرًا ما كنت أمر بسلام على الروايات والأشعار لا أبحث عن المغزى ولا أنشغل بما يقصده الكاتب.. ولكن هنا كل شيء مختلف..
هذه ليست رواية هذه روضة فن وأدب وإبداع
يوسف حامد..
مثال للمبدع المقهور، يتنقل بين سطور الحياة دون أن تمنحه هامش الحرية، أو حتى حاشية يضع فيها نقطة ليأتي من يليه فيتذكر أنه مرّ من هنا..
لكَ الله..
لا شيء يدوم، حتى الظلام يأتيه فجرٌ عنيد فيبدده، أو ثورة طائشة فتذروه..
وتمزق الدموع بثورتها جفناي لتنتصر وتنفجر حين تصل لشهر ديسمبر..
يوميات مليئة بالبساطة والسمو والارتقاء على كل خذلان وتجاهل تم في عهدٍ ظالمٍ لكل المبدعين..
عهد خان الوطن ككل من خانوه..
وليست هذه سوى بداية، وسوف أنتظر الأجزاء التالية..