موقع نبض العرب
جريدة و موقع إخبارى سياسى - اقتصادى - اجتماعى - فنى - رياضى - متنوع

باب المندب ساحة لتصفية الحسابات الدولية

تقرير سها البغدادى

تعتبر دولة الجنوب منطقة استراتيجية هامة للأمن الإقليمي والعالمي حيث تتحكم في مضيق باب المندب الحيوي لحركة الملاحة الدولية الاقتصادية والعسكرية ، وكذا العديد من الجزر الواقعة في البحر وارخبيل سقطرى المطل على المحيط الهندي، وباب المندب يمثل موقعاً استراتيجياً لتصدير نفط وغاز دول مجلس التعاون الخليجي وثروات بحرية ونفطية وغازية ومعدنية هائلة .
كما يمتلك الجنوب ميناء عدن الاستراتيجي وهو ميناء طبيعي عميق محمي بسلسلة جبلية تجعله أمناً على مدار العام ويبعد 4 أميال بحرية من خط الملاحة الدولي و حولته الإمبراطورية البريطانية على مدى 129 عاماً إلى ثاني اهم ميناء في العالم ، حيث تؤمه ما يقارب من ” 21 ” الف سفينة سنوياً .
● باب المندب واهميته الاقتصادية والعسكرية:
الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمضيق “باب المندب” أوجد له أهمية تجارية واقتصادية قصوى، جلبت بدورها حساسية عسكرية لهذا الممرّ المائي العالمي لمختلف القوى الدولية والإقليمية، في حين تتباين الجدوى للبلدين اللذين يقع المضيق في نطاقهما الجغرافي؛ وهما اليمن وجيبوتي، وعلى قرب شديد منهما إريتريا.
أصبح مضيق “باب المندب” أحد أهم الممرات المائية في العالم بعد إنشاء قناة السويس عام 1869، وأصبح يربط بينها وبين مضيق هرمز نقطة وصل لطريق التجارة العالمي، الممتدّ من البحر الأبيض المتوسط مروراً بالبحر الأحمر، وخليج عدن والمحيط الهندي والخليج العربي.
ويمتاز الممرّ بعرض وعمق مناسبين لمرور كل السفن وناقلات النفط على مسارين متعاكسين متباعدين؛ حيث يبلغ عرضه 30 كم، وعمقه 100-200م.
ويعدّ “باب المندب” أكثر ممرّ تسير فيه السفن التجارية وناقلات النفط؛ حيث يستحوذ على 7% من الملاحة العالمية، و13% من إنتاج النفط العالمي (3.8 ملايين برميل نفط في اليوم عام 2013)، و21 ألف سفينة وناقلة تمرّ في الاتجاهين، بواقع 57 سفينة يومياً، وتعبر منه نحو 12 مليون حاوية سنوياً.
لكن أهمية “باب المندب” مرتبطة ببقاء قناة السويس أولاً، ومضيق هرمز ثانياً، مفتوحين للملاحة أمام ناقلات النفط خاصة؛ لأن أي تهديد لأي منها (باب المندب، هرمز، السويس) سيحوّل السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
●صراع إقليمي ودولي بسبب موقع الجنوب على المضيق:
الممرّ، الذي يبدأ من “رأس منهالي” بالجنوب وصولاً إلى “رأس سيان” في جيبوتي، يشترك في حدوده البحرية مع كل من إريتريا وجيبوتي والجنوب ، الذي يمتلك الأفضلية الاستراتيجية للسيطرة على المضيق؛ بفعل امتلاكه جزيرة ميون “بريم”، التي تبلغ مساحتها 13 كم2، وفيها ميناء طبيعي بطرفها الجنوبي الغربي، وهو ما عرّضها لاحتلال برتغالي وفرنسي وبريطاني.
اليمن لم يستفد من الأهمية الاقتصادية الكبرى لـ”باب المندب”فى عهد على عبد الله صالح ، ولم ترِد إلى الخزانة العامة للدولة اليمنية أي عائدات من هذا المضيق.
طوال فترات حكم الرئيس المخلوع صالح لم تنشأ أي مشاريع تنموية تهيّئ لمشاريع استثمارية كبرى على طول الساحل الغربي المحاذي لـ(باب المندب)، أو على الجزر القريبة منه؛ كجزيرة ميون الاستراتيجية، التي استخدمها البريطانيون محطة خدمة ترانزيت للسفن طوال فترة احتلالهم جنوب اليمن”.
فقد ظلت مناطق باب المندب والسواحل والجزر القريبة منه منطقة مهملة عمداً من قِبل النظام السابق، وجعلها محطة للتهريب وتجارة السلاح والممنوعات من الدول الأفريقية وإليها”.
وفرّط نظام المخلوع على عبد الله صالح -لأسباب غامضة- في مشروع “جسر النور” الذي أُقرّ إنشاؤه عام 2008 مع جيبوتي، والذي تُبنى في طرفيه مدينة النور كمدينة صناعية وسياحية وتجارية ومنطقة حرة، وبتكلفة تُقدّر بنحو 20 مليار دولار بالنسبة إلى الجسر، أما تكلفة المدينتين فتصل إلى 50 مليار دولار.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية للمشروع في موقع البلدين على خريطة التفاعلات الإقليمية والدولية بمنطقة البحر الأحمر؛ حيث كان من المتوقّع توفير 500 ألف فرصة عمل لكلتا الدولتين.
و بالرغم استعادة السلطات الشرعية والتحالف العربي “باب المندب” وجزيرة ميون من سيطرة المليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً، فإنه لم يتم إنشاء أي مشروع تنموي واستثمار؛ بل أقامت الإمارات قاعدة عسكرية على جزيرة ميون.
سيوفر باب المندب فرصاً استثمارية اقتصادية كبرى سترفد الاقتصاد بمليارات الدولارات، وستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للجنوبيين ، إذا ما أحسن الجنوبيين إدارة موقعه بعد فك الارتباط وعودة الدولة الجنوبية ،وعلى الجنوبيين بعد الاستقلال احداث بِنْية تحتية وإنمائية جذابة لإقامة مشاريع استثمارية تستقطب رؤوس الأموال”.
وعلى القيادات الجنوبية أن تكون قادرة على استثمار موقع الجنوب من الممرّ الدولي “باب المندب”؛ من خلال تقديم الخدمات والتسهيلات للسفن، وعملية الشحن والتفريغ وإعادة التوزيع، والمنطقة الحرة كمركز تجاري منافس في المنطقة.
ارتباط المضيق بقناة السويس يعطي الجنوب وموانئه -وفي المقدمة ميناء عدن- فرصة لتكون محطة ترانزيت لاستقبال السفن وتزويدها بالوقود، بالإضافة إلى تحويلها إلى منطقة حرة ومركز تجاري يربط المنطقة بالعالم.
● الأطماع الدولية
إن الجنوب على مرّ التاريخ تأذّى من الأطماع الاستعمارية؛ لموقعه كنقطة وصل بين أفريقيا وآسيا، حيث تتوسّط العالمَ موانئه التجارية، وأهمها عدن كمحطة وترانزيت للتزوّد بالوقود ومنطقة حرة.
أن “انزلاق الجنوب في فوضى بفعل انقلاب الحوثى بالتآمر مع حزب الاصلاح الاخوانى يشكّل تهديداً للمضيق؛ لهذا تتدخّل كل الدول في شؤون اليمن تحت مبرّر حماية المضيق الجنوبى الذي يعدّ ممرّاً مهمّاً للتجارة العالمية”.
عدم استقرار الجنوب “جعله لا يجني أي منافع اقتصادية من المضيق، الذي أصبح تحت الحماية الدولية، وهذا التدويل أفقده أي منافع مستقبلية”، خصوصاً مع تضييق الخناق على ميناء عدن بفعل ما وصفها بـ “السياسات الأيديولوجية للحكومات اليمنية المتعاقبة بعد الوحدة ، لتستفيد من ذلك مواقع أخرى، على غرار جبل علي في دبي، الذي لا يملك المقومات المتوافرة لميناء عدن”.
● سباق دولى لبناء القواعد العسكرية
تسابق القوى الدولية إلى إنشاء قواعد عسكرية على المضيق، ولا سيما في جيبوتي، إن ذلك يمثل موضة العصر الاستعمارية، ويضع الجنوب في خانة الأطماع، خاصة جزيرتي ميون وسقطرى، وهذا هو مبرّر اهتمام الإمارات بتلك الجزر”.
وأما سبب تفضيل جيبوتى حاليا أن القوى الاستعمارية الكبرى تنظر إلى المدى البعيد، وتبحث عن المناطق الأكثر استقراراً وضماناً لبقائها أطول مدة ممكنة؛ ولهذا فضّلت جيبوتي ودول الخليج على اليمن ؛ لعوامل الاستقرار والهدوء والأمان والتطويع.
●الموانئ الجنوبية وأهميتها الإستراتيجية بالنسبة للدول الخليجية والعربية:
نذكر في السطور التالية أهم هذه الموانئ ومواقعها وأهميتها الإستراتيجية بالنسبة للجنوب وباقي الدول الخليجية والعربية.
ميناء عدن “اليمن”
يعتبر ميناء عدن أحد الموانئ البحرية الرئيسية والهامة بمنطقة خليج عدن, والذي يقع بمدينة عدن. وهو من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم.
وفى بداية حرب 2015 استهدفت الميليشيات الحوثية المباني السكنية، واطلقت النار عشوائيا على المناطق الآهلة في عدن، ودمرت البنية التحتية واستهدف الآمنين.
وسعت الميليشيات إلى الوصول إلى ميناء عدن، لكن المقاومة الجنوبية بمساعدة التحالف العربي بقيادة السعودية، منعهم من ذلك.
ميناء الشحر :هو أحد الموانئ الرئيسية لتصدير النفط في الجنوب ، ويقع هذا الميناء على الساحل الجنوبي الشرقي لليمن على بحر العرب بالقرب من مدينة الشحر، ويبعد عن المكلا حوالي 15 كيلو متر شرقاً، كما يبعد عن مدينة عدن حوالي 426 كيلو مترا، وهو مؤهل لتحميل وشحن السفن بالنفط الخام لأغراض التصدير من نفط خام مزيج من قطاع 14 بالمسيلة، ونفط شرق شبوة، ونفط حواريم، وغيرها من الحقول المجاورة، عبر خط يمتد على مسافة 138 كيلو مترا، يوجد في هذا الميناء 5 خزانات.
ميناء المكلا :يعتبر ميناء المكلا من أهم الموانئ في البحر العربي، وهو المنفذ البحري الوحيد في محافظة حضرموت الجنوبية المطل على بحر العرب.
ميناء نشطون: يقع ميناء نشطون على البحر العربي في الواجهة الشرقية ، وقد افتتح الميناء عام 1984، وقد أنشئ الميناء متعدد الأغراض ليخدم الحركة التجارية والسمكية ويقع الميناء على مقربة من سلطنة عمان ويمتاز بحركته التجارية بين دول الخليج ومحافظة المهرة، إلا أن الميناء أخيراً ضعفت حركته التجارية نتيجة لفتح الطريق البري بين اليمن دول الخليج.
ميناء بلحاف: أنشأ الميناء بعد إعلان اكتشاف النفط في غرب عياد بشبوة، في 15 أبريل 1987، ويعتبر أكبر مشروع صناعي في تاريخ اليمن، وقد انتهى العمل في المشروع وتم تصدير أول شحنة في أكتوبر 2009، كما تمت إضافة خط ثانٍ في أبريل 2010، ويستخدم لتصدير نفط محافظة شبوة الخفيف.
● جيبوتى تستفيد من مصائب الجنوبيين
مصائب الجنوبيين من جراء “باب المندب” كانت فوائد لجيبوتي، التي أصبحت من أكثر الدول في الشرق الأوسط استضافة للقواعد العسكرية، بخمس قواعد: الأولى فرنسية (900 عسكري، و34 مليون دولارٍ الإيجار السنوي، والكبرى في أفريقيا، وأقدم القواعد في جيبوتي)، وتستضيف قوات ألمانية وإسبانية، والثانية أمريكية (4000 عسكري، و60 مليون دولارٍ الإيجار السنوي)، والثالثة إيطالية (90 عسكرياً، و34 مليون دولارٍ الإيجار السنوي).
في حين كانت القاعدة الرابعة يابانية (600 عسكري، و30 مليون دولارٍ الإيجار السنوي، وأول وجود عسكري خارج اليابان منذ الحرب العالمية)، والخامسة صينية (10 آلاف عسكري، و20 مليون دولارٍ الإيجار السنوي)، في تحوّل بمسار السياسة الصينية التي كانت ترفض إنشاء قواعد عسكرية في الخارج، إلا أن الظرف الحالي يفرض ذلك؛ لتأمين المصالح الصينية، وهو ما يؤكده ينان جينغ، الخبير الاستراتيجي بوزارة الدفاع الصينية، في تصريحات صحفية.
ويبدو أن العدد لن يتوقف؛ فجيبوتي رحَّبت في عام 2016 بإنشاء قاعدة سعودية على أراضيها، حيث باتت هذه القواعد المصدر الأساسي للدخل القومي لدولة جيبوتي، التي تحصل على قرابة 250 مليون دولار، وهو ما يمثّل ثلث موازنة البلاد، البالغ سكانها نحو مليون نسمة، مقابل تأجير أراضٍ لهذه القواعد، بحسب مركز مقديشو للبحوث والدراسات.
والمفارقة أن جيبوتي تعدّ ثالث أصغر دولة أفريقية، لا يملك جيشها إلا مروحيّتين، و67 مركبة مدرّعة، و76 قطعة سلاح خفيف، بينها مدافع متنوّعة، وفقاً لموقع “أرمي ريكوغنيشن” الأمريكي.
وسعت القوى الكبرى لضمان السيطرة على المضيق من خلال الأمم المتحدة في عام 1982، لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية، ودخلت اتفاقيتها، المعروفة بـ”اتفاقية جامايكا”، حيّز التنفيذ في شهر نوفمبر عام 1994، لكنها في ظل متغيّرات القرصنة والإرهاب، وحرب الصومال، وأخيراً الحرب في اليمن، اتجهت لإقامة هذه القواعد لأغراض اقتصادية وعسكرية.
● الصراع الايرانى الاماراتى
استغلت الإمارات مشاركتها في الحرب اليمنية وسجّلت حضوراً لافتاً بمنطقة “باب المندب”، وبطرق متنوّعة، من خلال بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية بعد استعادة السيطرة عليها من مليشيا الحوثي، في أكتوبر 2015.
وكانت الخطوة الإماراتية تمضي سراً قبل أن يكشفها موقع “جاينز” البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية.
والإمارات تشرف أيضاً على معسكر “خالد بن الوليد” بعد استعادته من الحوثيين، حيث يؤمِّن ذلك، الوجودَ الإماراتيَّ في منطقة “باب المندب”؛ بحكم قربه من المضيق.
سبق ذلك بناء وجود عسكري في إريتريا بالتزامن مع استخدام ميناء “عصب” الإرتيري لدعم عملياتها العسكرية في الجنوب .
ومن الواضح أن إيران كانت تخطط للسيطرة على المضيق من خلال أداتها؛ الحوثيين، وهو ما جعل القيادي في الحرس الثوري الإيراني، سعيد قاسمي، يصف ذلك بـ”الانتصار الكبير”.
وبعد إبعاد الحوثيين عن “باب المندب”، عادوا لعمليات من الساحل المطلّ على طريق الملاحة، حيث هاجموا فرقاطة سعودية وسفناً إماراتية وأمريكية (تحت مبرّر النشاط العسكري)، وهو ما ردّ عليه الأمريكيون بقصف لمواقع رادارات على ساحل البحر الأحمر، أواخر عام 2016.
تلاه نشر الولايات المتحدة المدمّرة “كول”، التابعة للبحرية، قبالة الجنوب ؛ لحماية الممرات المائية من المسلحين الحوثيين الموالين لإيران؛ حيث تنفّذ دوريات وترافق السفن.
فى عام 2019 وقع قائد حرس الحدود الإيراني، اللواء قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي، علي محمد مصلح الأحبابي، مذكرة تفاهم لتعزيز أمن الحدود البحرية.
فى عام 2020 وقعت الامارات واسرائيل اتفاقية التطبيع الكامل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة السلام ولكن فى الواقع لمعاقبة ايران اقتصاديا .
●مستقبل الجنوب والمضيق
كل هذا الاهتمام من قِبل القوى الكبرى والإقليمية للسيطرة على مضيق “باب المندب” يجعله مرشَّحاً بقوة لأن يتحوّل في الفترة المقبلة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، خاصة في ظل التقاطعات والتجاذبات الدولية والإقليمية.
فللمضيق أهمية بالغة لمصر؛ خاصة أن نحو 98% من البضائع والسفن الداخلة عبر قناة السويس تمرّ من المضيق، وعائدات القناة تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً.
كما يمثّل محوراً مهماً للتحركات العسكرية الأمريكية، خاصة في استراتيجية إدارة ترامب، ولا يستبعد مراقبون أن يكون المضيق بوابة لتدويل الأزمة بين القوات المتصارعة باليمن .

وبحسب مراقبين، فإن الجنوب لن يستفيد من هذا المضيق إلا باستقرار سياسي وأمني وانفتاح واستراتيجية اقتصادية واستثمارية، وخلاف هذا فإنه سيستمر في الاكتواء بنار الصراع عليه، وبذلك فهو بين خيارين لا ثالث لهما.

اترك تعليقك