موقع نبض العرب
جريدة و موقع إخبارى سياسى - اقتصادى - اجتماعى - فنى - رياضى - متنوع

قصة قصيرة قصة .. حب عادية

حسام جمال الدين

للمرة الأولى حينما رأته ، لم تعره اهتماما ، يعمل معها فى المكان نفسه ، من يراه يظنه معرورا متعاليا على من حوله ، يمضى دون أن يلتفت إلى أحد ، لا تعرف الابتسامة لوجهه سبيلا إلا نادرا ، متجهم معظم الوقت ، يتحدث مع الآخرين بخشونة واستعلاء ، هكذا أخبروها عندما رأته أول مرة وسألت عنه من باب الفضول عندما بدأت العمل فى هذا المكان ، ذلك الفضول القاتل هو ما دفعها أن تراقبه من بعيد ، تحول الفضول إلى نوع من الاهتمام ، لم تحاول أن تتوقف لتسأل نفسها عن سر اهتمامها به ، وجدت نفسها تراقب كل ما يفعل ، التقت عيناهما للمرة الأولى شعرت بعينيه تقتحمانها ، تهدم كل قلاع المقاومة فى قلبها الغض الذى لم يقتحمه أحد من قبل ، هل أنت معجبة به ؟ ، لم ترد على نفسها ، تمضى فى مراقبته بينما هو لا يلتفت إليها ، لماذا هو هكذا ؟ كلما رأت عدم التفاته كلما ازدادت رغبة أن تعرفه أكثر ، ذلك الغموض الذى يحيط به ، سألت وحاولت أن تعرف ممن حوله ولم تظفر بشيء ثم توفقت لم ترد أن يعرف أحد أنها سمحت له أن يقتحم ذلك الحصن وأنها فتحت بابه طواعية له وأدخلته وأسكنته دون أن يطلب ، حاول كثيرون اقتحام حصنها وطرقوا أبوابه وحاصروها ولكنها لم تسمح لهم ولم ترفع راية الاستسلام أمام حصارهم ، حتى ينسحبوا ، إلا هو لم يطرق باب الحصن لم يحاصره لم يطلب دخوله ، هى من أسكنته هناك دون أن يعرف حتى ، حينما بيتسم تشعر أنها ابتسامة حقيقية تنبع من الروح ليست ابتسامة مصطنعة ، ابتسم لها ذات مرة حينما حانت منه التفاتة فوجدها تنظر إليه ، ابتسم ثم مضى دون أن يعلق حتى بكلمة ، هل ستظل مكتفية بمراقبته من بعيد ؟ تقرر أن تبادر ألم تسمح له بدخول قلبها والسكنى فيه فلتبدأ هى ، فى اليوم التالى ازيك يا أستاذ محمود ، الله يسلمك يا آنسة … ، أنا مريم زميلتكم الجديدة هنا ، تشرفنا ، ليس كافيا أن تحييه كل صباح ، تحاول أن تفتعل أى حوار معه تستفسر منه عن أشياء فى العمل ، ، يجيبها إجابات مختصرة كأنما يهرب من الحديث معها ، تسأله مرة : حضرتك بقالك قد ايه فى الشغل هنا ؟ بقالى هنا حوالى سنة بس قبل كده كنت فى المنصورة ، مرة بعد مرة يطول الحديث ، بدأ يخبرها عن حياته ، عائلته ، أبوه الذى يعيش فى مدينة المنصورة ، حكى لها كثيرا عن أمه التى ماتت فى صغره ، عن زوجة أبيه ، ، نعم حاولت أن تقربه لها ولكنه لم يستطع أن يراها أبدا مكان أمه ، مع أنها لم تقصر معه وحاولت أن تكون أما ثانية ، حكى لها عن شقيقته الوحيدة التى تكبره بعدة أعوام ، تزوجت من أحد زملاءها فى العمل ، ثم سافرا معا للعمل فى دولة من دول الخليج ، وكيف أنه شعر بوحدة مقيتة بعدها ، لايراها إلا كل عام أو عامين عندما تأتى إلى مصر فى إجازة ، كان يحدثها عمن حوله ولكنه لم يحدثها عن نفسه ، حكت له عن نفسها عن إحوتها ، هى شقيقة وحيدة أيضا لثلاثة أخوة هى الصغرى بينهم ، كانت مدللة فى البيت كان أبوها يدللها ويعنف أى أحد يحاول أن يتوحه إليها بكلمة كانت الكلمة التى لا تفارق لسانه ، عندما اموت لكم الحق أن تفعلوا ماشئتم أنا فقط من يحاسب مريم مفهوم ؟ ثم مات وهى فى السنة الأولى من كلية التجارة ، حاولت كثيرا أن تتجاوز وفاته التى لم تتوقعها ، كان إخوتها أحيانا يقسون عليها بدعوى حمايتها ، لم تكن تتقبل الأمر فى البداية ، يتدخلون فى كل شيء ، لا تضحكى بهذه الطريقة ، لا تليق بك هذه الملابس ، لا تمشى هكذا ، لائحة طويلة من القواعد ، ثم أتت الوظيفة بمثابة طوق نجاة لتخرج من هذا العالم الذى كان إخوتها يحاولون إغلاقه دونها ن حدثته طويلا عن نفسها ، فاجأته بالسؤال ذات مرة : لم تحدثنى عن نفسك أبدا ، تغير وجهه بدا الغضب ممتزجا بحيرة وحزن فى وجهه ولم يرد على سؤالها ، اكنت سعيدة أنها تحدثه وتقضى معه بعض الوقت ، فاجأها ذات يوم وجدته يدعوها لقضاء بعض الوقت معه فى أحد الكافيهات القريبة من العمل ، كانت مرعوبة فى داخلها ولكنها لم تقدر على الرفض ، تعجبت من طريقته طلب منها هذا بخجل شديد لم تره منه قبل ذلك ، تنتظر وقت الانصراف من العمل بفارغ الصبر ، لم تكن تقبل أى دعوة قبل ذلك من أى رجل ، مجرد أحاديث عابرة بحكم الزمالة فى جامعة أو عمل بعد ذلك ، كيف هى مستسلمة إلى هذا الحد المخيف ، أخيرا موعد الانصراف ، توجهت معه إلى ذلك الكافيه الذى يبعد شارعا عن مكان العمل ، تنتاب قلبها مشاعر مختلطة سعادة خوف اضطراب تردد رضا تأنيب ، لا يهم سوف تجلس معه وحيدين ، متشوفة أن تعرف لماذا دعاها وماذا سيقول ؟ دخلا ، جلسا متقابلين ، لحظات من الصمت ، قطعها صوت الجرسون طلبت هى كوبا من النسكافيه وطلب هو كوبا من الشاى ، بدون مقدمات يتأسف عن غضبه من سؤالها ، يخبرها أنه انتقل للعمل هنا فى هذه المدينة حتى لا يسأله أحد هذا السؤال ، يخبرها ، كان متزوجا حتى عامين فائتين ،قصة حب عاشها فى سنوات دراسته بالجامعة توجها فى النهاية بالزواج ، احبها ولم يكن يتوقع أبدا أن تكون تلك هى النهاية ، حملت بعد الزواج بشهر ، سعادة لا توصف ، حلم كثيرا بأن يكون الطفل الذى سيأتى شبيها لأمه ، جميلة كانت كجمال السماء فى صفائها ، تشعر بالغيرة وهو يصفها ، فى الشهر الثالث من الجمل ماتت هكذا دون مقدمات دون توقع دون وداع ، انفطر قلبه ، انهارت أحلامه هكذا فى غمضة عين ، ثمانية شهور بعد موتها ، يراها كل لحظة ، يتحدث إليها عند وجوده بالمنزل لا يصدق أنها رحلت وتركته ، حاول أن يتغلب على تلك الحالة لم يستطع ، منذ عام قرر أن يأتى إلى هنا ، يبكى ، كانت سعيدة أنه اختارها هى ليتحدث عن ماضيه وحزنت من اجله ، اكتشفت سر صمته ، وندرة ابتسامه ، لم يكن غرورا بل كان هروبا ، لم يكن قاسيا بل هو وحيد يرفض أن يقتحم وحدته احد ، هى فقط على ما تظن من استطاعت ، تتعدد القاءات فى المكان نفسه ، فجأة يعترف لها أنه يراقبها هو أيصا منذ تلك المرة التى التقت عيناهما ، تسأله لماذا لم تخبرنى بهذا من قبل ؟ ينظر إليها لم اكن أتوقع أن ذلك القلب الذى مات فجأة سوف يعود إلى الحياة ، كان خائفا من نفسه وخائفا أن تكون مجرد كحاولة للهروب من أسر الماضى / لم يكن على استعداد لخسارة أخرى لن يتحملها ، كل هذه المرات التى تحدثا فيها كل مرة كان يقترب أكثر ، يشعر أن قلبه يتعافى ويعود للحياة مرة أخرى ، تلك الروح التى فقدها هاهى تشرق من جديد فى حياة ظن أنها لن تستمر ، تمنى الموت مرات عديدة كل يوم بل كل لحظة ـ ولكنه الآن يتمنى الحياة كأنه لم يذق طعمها قبل ذلك ، تسمع كل ذلك وتسرى فى جسدها ارتعاشة خفيفة ، خوف أم عشق هى لا تدرى ، يحسم هو ذلك ، ينظر فى عينيها طويلا ثم بدون تردد وملامح وجهه وتفاصيله بدت وكأنه طفل يعرف معنى الحياة لأول مرة ويقول لها أحبك

اترك تعليقك