أكرمي مثواه
بقلم / السيد سليم
انتهى الفصل الأول من قصة يوسف عليه السلام، وأسدل الستار على التقاطه من غايبة الجب، وقد أسروه بضاعة؛ ليبدأ الفصل الثاني بعرضه للبيع.
وقد بيع الرقيق، ولكن الذي اشتراه توسم فيه الخير والخير يتوسم فإذا هو يوصي به امرأته خيراً، وهنا يبدأ أول خيط في تحقيق الرؤيا.
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته: أكرمي مثواه، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن السياق لا يكشف لنا حتى الآن عمن اشتراه، وسنعلم بعد شوط في القصة أنه عزيز مصر قيل: إنه كبير وزرائها ، ولكنا نعلم منذ اللحظة أن يوسف قد وصل إلى مكان آمن، وأن المحنة قد انتهت بسلام، وأنه مقبل بعد هذا على خير:
أكرمي مثواه
والمثوى مكان الثويّ والمبيت والإقامة، والمقصود بإكرام مثواه إكرامه، ولكن التعبير أعمق؛ لأنه يجعل الإكرام لا لشخصه فحسب، ولكن لمكان إقامته..
وهي مبالغة في الإكرام في مقابل مثواه في الجب وما حوله من مخاوف وآلام!
ويكشف الرجل لامرأته عما يتوسمه في الغلام من خير، وما يتطلع إليه فيه من أمل:
عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً
ولعلهما لم يكن لهما أولاد كما تذكر بعض الروايات. ومن ثم تطلع الرجل أن يتخذاه ولداً إذا صدقت فراسته، وتحققت مخايل نجابته وطيبته مع وسامته.
وهنا يقف السياق لينبه إلى أن هذا التدبير من الله، وبه وبمثله قدر ليوسف التمكين في الأرض، وها قد بدأت بشائره بتمكين يوسف في قلب الرجل وبيته.
ويشير إلى أنه ماض في الطريق ليعلمه الله من تأويل الأحاديث على الوجهين اللذين ذكرناهما من قبل، ويعقب السياق على هذا الابتداء في تمكين يوسف بما يدل عليه من قدرة الله غالبه، لا تقف في طريقها قوة، وأنه مالك أمره ومسيطر عليه فلا يخيب ولا يتوقف ولا يضل.
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث. والله غالب على أمره
وها هو ذا يوسف أراد له إخوته أمرًا، وأراد له الله أمرًا، ولما كان الله غالباً على أمره ومسيطراً فقد نفذ أمره، أما إخوة يوسف فلا يملكون أمرهم فأفلت من أيديهم وخرج على ما أرادوا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
لا يعلمون أن سنة الله ماضية وأن أمره هو الذي يكون.
ويمضي السياق ليقرر أن ما شاء الله ليوسف، وقال عنه:
ولنعلمه من تأويل الأحاديث..
ويتوقف المشهد عند هذا الحد لنواصل في اللقاء القادم